رسالتنا

نصبو إلى أن تكون أُخوّاتنا واحات صداقة وصلاة، بإصغاء دائم إلى الحاجات الجديدة في مجتمعاتنا.

ومع كثير من أصدقائنا نريد أن نشهد لحنان الله ورحمته، هذا الإله الذي تجسّد ليجمع بين الأرض والسماء، بين الأبديّة والزمن، بين عالم الله وعالم الإنسان، فكشف عن ذاته من خلال المواقف اليوميّة البسيطة ومن خلال العلاقات الإنسانيّة المبنيّة على الثقة المتبادلة. معهم نريد أن نكون "كنيسة الفقراء"، كنيسة قريبة من الإنسان أيّاً كان.

”إنّها رسالة موسومة بالبساطة والفقر والمحبّة، يجب أن يحملها إلى العالم كلّه الإخوة والأخوات، لأنّ ما تتطلّبه دعوتهم الجوهريّة هو أن يصيروا في كلّ وسط وشعب "واحداً منهم" وأن يندمجوا كالخميرة في العجين. إنّ هذا لمهمّ جدّاً في الوقت الذي تتأسّس فيه أُخوّات عديدة في العالم، وحيث سنلتقي أشخاصاً لهم مكانتهم في المجتمع ولم يتفهّموا حتّى الآن رسالة الأخ شارل وأبعادها. إنّهم يعتقدون أنّهم يخدمونها بحصرها في صيغة ضيّقة وضمن إطار ناسك عاش في الصحراء، في حين أنّها نهجٌ جديد للحياة الرهبانيّة عبر العالم، يُفجِّر كلّ الأطر وكلّ الصيغ المألوفة". الأخت مادلين

على مثال حياة يسوع الخفيّة في بيت لحم والناصرة، اخترنا أن تتجسّد رسالتنا من خلال التقرُّب من الناس والتضامن معهم، لا من خلال المؤسَّسات التربويّة أو الإستشفائيّة وغيرها. لذا نلتزم العمل اليدويّ المتواضع لكسب عيشنا والتضامن مع الفئات العمّاليّة، كما نلتزم في أوساط متألّمة كالتي تعاني من الانجراف في الدعارة أو المخدّرات أو القابعة في السجون، فيكون حضورنا في وسطهم شهادة لبشرى الإنجيل، هذا الخبر السارّ الذي نريد إعلانه للجميع، إذ غالباً ما نجد الله قد سبقنا إلى هذه الأوساط المتواضعة والمجروحة!

تلك هي رسالتنا، إنّها امتداد لحركة العذراء مريم التي لا ترغب سوى إعطاء طفلها يسوع إلى العالم. رسالة الميلاد هذه تطبع الأُخوّة في الأعماق، وقد دُعينا إلى حملها إلى كلّ الأجيال، ليس فقط في زمن الميلاد بل في كلّ زمان ومكان.

"لنحمل هذه الرسالة مع العذراء مريم، سيّدة العالم أجمع، التي تسير معنا لنعطي بدورنا طفلها الصغير إلى كلّ إنسان، طفلها يسوع الذي يبتسم ويمدّ يديه إلى كلّ مَن يتوق إليه". الأخت مادلين

وما يساعدنا على تجسيد هذه الرسالة هو عيشها معاً في حياة جماعيّة وفي حياة صلاة فرديّة ومشتركة تشكّل الإطار الروحيّ الذي يوجّه نهارنا بكلّ ما ينطوي عليه، فتصبح حياتنا اليوميّة بكلّ أبعادها بحثاً مستمرّاً عن الله وشهادةً له.

وكما أنّ مسيحيّي الشرق مدعوّون إلى العيش في شراكة مع المسلمين، كذلك جماعتنا الرهبانيّة اختارت منذ تأسيسها في العالم العربيّ أن تكون حاضرة بشكل خاصّ في الأوساط الإسلاميّة لتعزِّز الحضور المسيحيّ فيه. وهكذا أينما كانت في العالم تريد أن تبني الجسور وتشهد لإمكانيّة العيش مع المسلمين بالاحترام المتبادل وتوطيد أواصر الصداقة والمحبّة معهم.

الحضور
رسالة تقوم على الحضور... ولكن أيّ نوع من الحضور؟ حضور الصداقة والمحبّة والطيبة، الحضور الموسوم بالصمت والخفاء، بالصِغَر والفقر، بحسن الضيافة ورحابة الصدر. ولا ريب أنّ الأفخارستيّا هي الينبوع الحيّ لهذا الحضور في قلب العالم.

"إنّهم يطلبوننا في كلّ الأماكن لكي نهتمّ بالمدارس والمستشفيات والمستوصفات العديدة، ونحن نعيد على مسامعهم: كلاّ! إنّه ليس لدينا إلاّ هدف وحيد وهو "أن نكون واحداً منهم"، أي من الأكثر فقراً، أي من طبقة المتواضعين، من أولئك الذين يحتقرهم العالم، ليس أبداً على مستوى أعلى منهم لتدبير أمورهم وتثقيفهم وتعليمهم، وإنّما على مستوى مساوٍ لهم لنحبّهم، ولنساعدهم كما نساعد أصدقاءنا وإخوتنا. هذا هو طريقنا الحقيقيّ الوحيد". الأخت مادلين

الشهادة
حضور من أجل أيّ هدف؟... إنّه حضور من أجل الشهادة، الشهادة الحيّة والمتواضعة والبسيطة. في أحد تأمّلاته، يقول الأخ شارل:

"كلّ حياتنا وكلّ كياننا يجب أن ينادي بالإنجيل على السطوح، كلّ نسمة فينا يجب أن تنمّ عن يسوع. كلّ أعمالنا وكلّ حياتنا يجب أن تصرخ بأنّنا ليسوع، ويجب أن تعكس صورة الحياة بحسب الإنجيل". الأخ شارل

التضامن
حضور مُتضامن... لماذا؟ لأنّ الحبّ يقتضي مشاركة الناس في حياتهم الواقعيّة، بأفراحها وأتراحها، وذلك على مثال يسوع في الناصرة.

"علينا أن ندرك أكثر فأكثر ما تنطوي عليه دعوتنا بأن "نصير واحداً منهم". فلا يكون ذلك مجرّد كلمات نردّدها بل عليه أن يؤدّي بنا إلى أبعد ممّا نتصوّر. "أن نصير واحداً منهم" يعني أن نغتني بتقرّبنا منهم وبتحرّرنا من الوهم بأنّه علينا دائماً أن نعطي شيئاً للآخرين. إنّ هذا يقتضي منّا روحاً منفتحة وطيّعة إلى أقصى الحدود.

إنّ الحبّ بل الحبّ الحقيقيّ له متطلّبات كثيرة: علينا أن نحبّ مثلما يحبّ يسوع. علينا أن نكون على أهبة الاستعداد كي نعطي حياتنا لأصغر الناس وأكثرهم شقاءً مثلما أعطاها يسوع بالذات. فبهذا فقط يُعرف أنّنا من تلاميذه وأصدقائه". الأخت مادلين

وهذا التضامن نريده مع أشدّ الناس فقراً، ولكن من غير أن نستثني أحداً.

"الوحدة في المحبّة، هذا ما علينا أن نشهد له، فإنّه يختصر كلّ شيء في دعوتنا. في هذا الإطار، لا يمكننا أبداً أن نبالغ. لنقف بصراحة في جهة الضعفاء والصغار والفقراء والتعساء. لكن بموقفنا هذا، يجب ألاّ نكون ضدّ أيّ كان". "بعد ما رأيته من الخصومات والأحقاد التي تؤدّي إلى الجرائم والقتل، يلازمني هاجس الوحدة، وبالتالي علينا أن نكرّس حياتنا للفقراء والمهملين من دون نفي أحد من حبّنا الأخويّ الشامل. علينا أيضاً أن نعبّر عن محبّتنا لجميع البشر ببذل جهودنا في تفهّم كلّ كائن كيفما كان، غنيّاً أو فقيراً، وبتوطيد الصداقة معه. كما علينا أن نتضامن مع كلّ ما هو حقّ وعدل في مواقف الطبقة العمّاليّة، وذلك من دون أن نحكم على الطبقات الاجتماعيّة الأخرى بقساوة واحتقار وكراهيّة". "يجب أن لا ننسى أبداً أنّ رسالتنا الأساسيّة هي أن نعمل من أجل التقارب والوحدة والمحبّة الأخوّية بين الشعوب التي تتجاهل وتحتقر بعضها البعض". الأخت مادلين

خيار الفقراء
في ظلّ عولمة زاحفة وساحقة تتّسع فيها باضطراد فجوةٌ رهيبة بين الأغنياء والفقراء، تنحاز الأُخوّة إلى "عالم فقراء عصرنا"، فتسعى لتكون فيما بينهم "سهلة المنال".

الأُخوّة الشاملة أو عولمة الحبّ
تحوَّل العالم اليوم إلى "قرية كونيّة" أصبح فيها الآخر الإشكاليّة الكبرى. وسبق الأخ شارل زمانه عندما نادى بالأُخوّة الشاملة، بعيداً عن الفروقات، من أيّ نوع كانت هذه. "الأُخوّة الشاملة" تتجسّد في مَن يضعهم الله على طريقنا وفي "أصغر تفاصيل" حياتنا اليوميّة. أمّا ينبوع هذه المحبّة الشاملة، فهو أننا جميعاً أبناء الله.

الدفاع عن كرامة الإنسان
ليست الأُخوّة الشاملة موقفاً رومنسيّاً من الإنسان، بل إنّها التزام بقضاياه الملموسة، ودفاع عن كرامته، أيّاً كان، ليس "همساً في الأذن" وإنّما "علناً على السطوح".

الثقافة بين الأخذ والعطاء
في ظلّ العولمة، تتعرّض ثقافات الشعوب إلى التسطيح، لا بل إلى الإلغاء. تحاول الأُخوّة في تعاملها مع الحضارات أو الثقافات المختلفة، بفعل انتشارها في العالم، أن تحافظ على مبدأ الأخذ والعطاء، فتنظر إلى ثقافات الشعوب التي تستقبلها نظرة ايجابيّة تُظهر ما فيها من غنى وقيم إنسانيّة نبيلة، وبالمقابل تستقبل محبّتهم وسندهم. فأن نُحِبّ يعني أيضاً أن نقبل بأن نُحَبّ، وبهذا تكتمل دائرة الأخذ والعطاء.

روحانيّة لعصر العولمة للأب رفيق خوري (بتصرّف)